
٨- اختصاص شهر رمضان بمزيد اجتهاد في مرضاة الرحمن وكان رسول الله ﷺ يخص رمضان بمزيد من الاجتهاد في القيام، وتلاوة القرآن، وتحرى الاعتكاف فيه، ويخصُّ الشهر بمزيد من سجاياه الكريمة، لا سيما صفة الجود والانفاق والإحسان، ففي «صحيح البخاري» (٦)، و«صحيح مسلم» (٢٣٨٠) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. 🗒 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (٤/١٣٩): قال الزين بن المنير: وجه التشبيه بين أجوديته ﷺ بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أيْ فيعم خيره وبره مَنْ هو بصفة الفقر والحاجة، ومَنْ هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعمّ الغيث الناشئة عن الريح المرسلة. اهـ وكان الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح يتأسون برسول الله ﷺ في كرمه وجوده، بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى في إظهار الدين، وهداية العباد، وإيصال النفع إليهم بكل طريق؛ من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل ﷺ على هذه الخصال الحميدة منذ نَشَأَ، ولهذا قالت له خديجة رضي الله عنها، كما في «صحيح البخاري» (٤)، و«صحيح مسلم» (١٦٠) لما قال لها ﷺ في أول مبعثه: «لقد خشيت على نفسي». فقالت: كلا والله، لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتَقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتُكْسِبَ المعدومَ، وتُعين على نوائب الحق. ثم تزايدت هذه الخصال الحميدة فيه بعد البعثة، وتضاعفت أضعافاً كثيرة، ولا سيما في رمضان. فتأس أيها الصائم برسول الله ﷺ، ولْتَتَجَلَّ فيك خصلة الجود والإحسان -لا سيما في رمضان-، وتفقد الأقربين والفقراء والأيتام، واعلم أن الصدقة لذي الرحم: «لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة»، كما في «صحيح البخاري» (١٤٦٦)، و«صحيح مسلم» (١٠٠٠)